نور الحق-1 مشرفة إسلاميات
عدد المساهمات : 40 تاريخ التسجيل : 08/09/2010 العمر : 52
| موضوع: الابتلاء .....للشيخ محمد راتب النابلسى الثلاثاء أكتوبر 05, 2010 3:36 am | |
| بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم ، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات .
التأديب و الابتلاء و التكريم : أيها الأخوة الكرام ، مع فائدة جديدة من فوائد كتاب الفوائد القيّم لابن القيم رحمه الله تعالى . هذه الفائدة تتعلق بالابتلاء أيضاً ، فالحقيقة الأولى التي ينبغي أن تكون واضحة أن المؤمن يمر بمراحل ثلاث ، هذه المراحل قد تكون متداخلة ، وقد تكون متمايزة ، هناك مرحلة لا بدّ منها مرحلة التأديب ، أن المؤمن إذا قصر في أداء واجباته ، أو تجاوز الحدود ، أو وقع في مخالفة حينما لا يكون كما ينبغي ، قصر في أداء واجباته ، أو تجاوز حدود الله عز وجل ، أو أهمل ما ينبغي ألا يهمله ، فالمؤمن يعالجه الله بالتأديب قال تعالى :
﴿ وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنَ الْعَذَابِ الْأَدْنَى دُونَ الْعَذَابِ الْأَكْبَرِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ ﴾ . ( سورة السجدة )
هذه حالة ، والحالة الثانية أن المؤمن لو استقام على أمر الله ، لو اصطلح مع الله، لا بدّ من أن يمر في مرحلة الابتلاء ـ الامتحان ـ كما عندما سئل الإمام الشافعي ـ رحمه الله تعالى ـ : أندعو الله بالابتلاء أم بالتمكين ؟ فقال : لن تمكن قبل أن تبتلى .
والمرحلة الثالثة مرحلة التكريم ، فأنت بين التأديب وبين الابتلاء وبين التكريم .
اجتماع تعظيم الله و الخوف منه و المحبة له في قلب المؤمن :
هذه المراحل الثلاث تتداخل أو تتمايز ، يمكن في اليوم الواحد أن تؤدب صباحاً ، وأن تبتلى ظهراً ، وأن تكرم مساءً ، نقول : هذه المراحل متداخلة ، وأحياناً تكون هذه المراحل متمايزة ، في حقبة من عمرك هناك التأديب ، وفي حقبة أخرى الابتلاء ، وفي حقبة ثالثة التكريم ، إذاً وطن نفسك أنك بين التأديب والابتلاء والتكريم ، في بعض الآثار القدسية :
(( قال : يا ربي أي عبادك أحبّ إليك حتى أحبه بحبك ؟ قال : أحبّ عبادي إليّ تقي القلب ، نقي اليدين ، لا يمشي إلى أحد بسوء ، أحبني ، وأحبّ من أحبني ، وحببني إلى خلقي ، قال : يا رب إنك تعلم أني أحبك ، وأحبّ من يحبك ، فكيف أُحببك إلى خلقك ؟ قال : ذكرهم بآلائي ، ونعمائي ، وبلائي )) . [ورد في الأثر]
أي ذكرهم بآلائي كي يعظموني ، وذكرهم ببلائي كي يخافوني ، وذكرهم بنعمائي كي يحبوني ، معنى ذلك أنه لا بدّ من أن يجتمع في قلب المؤمن تعظيم لله من خلال آياته الكونية ، ومحبة له من خلال نعمه الجزيلة ، وخوف منه من خلال البلاء والمصائب .
الحياة حركة : أيها الأخوة الكرام ، الآن في موضوع الابتلاء في أي مجتمع يستنبط من حركة الحياة فيه ، الحياة لها حركة ، في الحياة أقوياء و ضعفاء ، أغنياء و فقراء ، أتقياء و فجار ، والناس يعيشون مع بعضهم بعضاً ، فالحياة حركة ، السبب أن هناك دوافع ، هناك دافع إلى الطعام والشراب هذا يوجد حركة في الحياة ، انظر إلى الطرقات صباحاً كل الناس يسعون إلى كسب أرزاقهم هناك حركة ، وهناك حركة ثانية إلى زواجهم ، و حركة ثالثة إلى تأكيد ذواتهم ، فالحركة قائمة ، لكن من خلال هذه الحركة قد نستنبط بعض القوانين ، قوانين أرضية قد لا يعترف عليها الشرع ، أي القوي إذا مدحته يطمئنك ، فإذا انتقدته يقيم عليك الدنيا ، هذا قانون ، الإنسان إذا أعطيته مالاً يسكت على أخطائك ، بأي مجتمع يوجد حركة من خلال هذه الحركة تستنبط بعض القوانين ، مثلاً : كان التابعي الجليل "الحسن البصري" عند والي البصرة ، فجاء توجيه من الخليفة يزيد ، الرسالة مرعبة ، يبدو أنه لو نفذ أمر الوالي لأغضب الله عز وجل ، ولو لم ينفذه لأغضب الخليفة ، وربما عزله ، فوقع في حيرة من أمره ، وعنده الإمام الجليل الحسن البصري فسأله ، فأجابه إجابة تكتب بماء الذهب ، تعد منهجاً ، قال له : " إن الله يمنعك من يزيد ، ولكن يزيد لا يمنعك من الله " .
انتهى الأمر ، فهناك حركة في الحياة ، وهناك قوانين ، وهذه القوانين قد تتناقض مع منهج الله عز وجل ، فالذي لا يعبأ بهذه القوانين ويخضع لقوانين الله عز وجل ، و لمنهج الله قد يعرض نفسه إلى خسارة كبيرة ، لكن الذي يحدث أن الله جلّ جلاله له قانون أنأ أسميه العناية الإلهية ، فيحفظه من مغبة عمله ، يكون قد أرضى الله ونال الدنيا ، مثلاً : هذا التابعي الجليل الحسن البصري أدى رسالة العلم ، بيانه أغضب الحجاج ، فقال لجلسائه : يا جبناء والله لأروينكم من دمه وأمر بقتله ، وجاء بالسياف ، وجيء بالنطع ومُدّ ، وجيء بالحسن البصري ليقتل ، فلما دخل على مجلس الحجاج حرك شفتيه بكلام ما سمعه أحد ، فإذا بالحجاج يقف له ، جيء به ليقتل ، جيء به ليقطع رأسه ، فإذا بالحجاج يستقبله ، ومازال يقربه من مجلسه حتى أجلسه على سريره واستفتاه ، وأكرمه ، وعطره ، وشيّعه إلى باب القصر ، من الذي صُعق بما جرى ؟ السياف والحاجب ، تبعه الحاجب قال : يا أبا سعيد ، لقد جيء بك لقص رقبتك ، ماذا قلت لربك ؟ قال له : قلت : " يا ملاذي عند كربتي ، يا مؤنسي في وحشتي ، اجعل نقمته عليّ برداً وسلاماً ، كما جعلت النار برداً وسلاماً على إبراهيم" .
من آثر طاعة الله على الخضوع للقوانين الفاسدة يخضعه الله لقانون العناية الإلهية :
أيها الأخوة الكرام ، أنا أريد أن أؤكد لكم الإنسان حينما يعيش في مجتمع معين ، وهذا المجتمع تحكمه قوانين قد لا تتماشى مع منهج الله ، الآن أبسط مثل ببعض البلاد هناك قضية تعرقل أمامك ، تدفع تمشي ، لا تدفع لا تمشي ، هذه مشكلة ، دفع المال له إشكال وقبضه فيه إشكال ، فيأتي المؤمن يرى أن هذه القوانين التي تسود هذا المجتمع لا ترضي الله فيؤثر طاعة الله ، وبحسب هذه القوانين يخسر وسيدمر ، فإذا بالله جلّ جلاله يخضعه لقانون اسمه قانون العناية الإلهية ، فيتألق لذلك قال تعالى :
﴿ وَقُلْ رَبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ ﴾ . ( سورة الإسراء )
قد يقول أحدكم أليس من الإيجاز أن يقول الله عز وجل : ربي اجعلني صادقاً ؟ هناك معنى دقيق ، أنت أحياناً تدخل مدخل صدق ، وأنت بعد أن دخلت تزل القدم ، ولا تخرج صادقاً ، قد تدخل صادقاً وتخرج ليس بصادق لذلك الآية الكريمة :
﴿ وَقُلْ رَبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ وَاجْعَلْ لِي مِنْ لَدُنْكَ سُلْطَاناً نَصِيراً﴾ ( سورة الإسراء )
من هنا من حديث عائشة موقوفاً ومرفوعاً : (( من أرضى الله بسخط الناس كفاه الله مؤونة الناس ، ومن أرضى الناس بسخط الله لم يغنوا عنه من الله شيئاً )) . [الترمذي في السنن كتاب الزهد عن عائشة]
قوي إذا أرضيته بسخط الله سخط الله عنك ، وجعله يسخط عليك ، الآن إذا أرضيت ربك بسخط القوي ، يرضى الله عنك ، ويجعل هذا القوي يرضى عنك ، كيف ؟ بالحكمة الإلهية ، بالعناية الإلهية ، إذاً يمكن أن نجد قوانين مستخلصة من حركة الحياة ، هذه القوانين قد لا تتفق مع منهج الله ، فيأتي المؤمن ويؤثر طاعة الله عز وجل على الخضوع لهذه القوانين التي هي من صنع البشر ، فيخضعه الله لقانون آخر هو قانون العناية الإلهية ، فينجح في إرضاء ربه وفي كسب دنياه .
حلاوة الإيمان وحقائق الإيمان : لذلك الله عز وجل يبين أن في الدين شيء اسمه حلاوة الإيمان ، تحدث عنه النبي عليه الصلاة والسلام فقال :
(( ثَلَاثٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ وَجَدَ حَلَاوَةَ الْإِيمَانِ )) . [ متفق عليه عن أنس بن مالك ]
لحلاوة الإيمان ثمن باهظ ، حلاوة الإيمان شيء وحقائق الإيمان شيء آخر ، بأوضح مثل حقائق الإيمان كورقة كبيرة على الطاولة فيها مخطط قصر ، هذا المكان ثمانية بثمانية ، هذه شرفة كبيرة ، غرفة استقبال كبيرة جداً ، غرفة نوم كبيرة ، إطلالة رائعة ، لكن كله ورق ، فحقائق الإيمان كهذا الورق ، معلومات دقيقة مبنية على مخططات ، على رسم ، على علم هندسي ، لكن حلاوة الإيمان هي القصر نفسه ، بين الذي يملك حقائق الإيمان وبين الذي يملك حلاوة الإيمان كمن يملك الخارطة ، والثاني يملك القصر نفسه وهو يسكن فيه ، لذلك قال النبي عليه الصلاة والسلام :
(( ثَلَاثٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ وَجَدَ حَلَاوَةَ الْإِيمَانِ : أَنْ يَكُونَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ ، أَحَبَّ إِلَيْهِ مِمَّا سِوَاهُمَا)) . [ متفق عليه عن أنس بن مالك ]
أن يكون الله في قرآنه ، والنبي في سنته في الأمر والنهي أحب إلى هذا المؤمن من أي شيء آخر ، إذاً هذا الذي يؤثر طاعة الله وطاعة رسوله على مصالحه المتوهمة في الدنيا يكون قد دفع دفعة من حلاوة الإيمان :
(( ذَاقَ طَعْمَ الإِيمَانِ مَنْ رَضِيَ بِاللَّهِ رَبًّا ، وَبِالإِسْلامِ دِينًا ، وَبِمُحَمَّدٍ رَسُولا )) . [ مسلم عن عبد المطلب ]
(( ثَلَاثٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ وَجَدَ حَلَاوَةَ الْإِيمَانِ : أَنْ يَكُونَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ ، أَحَبَّ إِلَيْهِ مِمَّا سِوَاهُمَا وَأَنْ يُحِبَّ الْمَرْءَ لَا يُحِبُّهُ إِلَّا لِلَّهِ)) . [ متفق عليه عن أنس بن مالك ]
الولاء والبراء : لكن بالمناسبة أن يكون الله في قرآنه ـ في الأمر والنهي ـ والنبي في سنته الصحيحة ـ في الأمر والنهي ـ أحب إليه مما سواهما عند التعارض ، أي حينما تتعارض مصلحتك المادية مع النص الشرعي تؤثر طاعة الله ، ولا تعبأ بهذه المصلحة المتوهمة ، عندئذ تكون قد دفعت ثمن حلاوة الإيمان ، عندئذ تذوق حلاوة الإيمان ، والبند الثاني:
(( وَأَنْ يُحِبَّ الْمَرْءَ لَا يُحِبُّهُ إِلَّا لِلَّهِ ِ )) . [ متفق عليه عن أنس بن مالك ]
هذا اسمه في علم العقيدة الولاء والبراء ، أي هو يوالي المؤمنين ولو كانوا ضعافاً وفقراء ، ويتبرأ من الطرف الآخر ولو كانوا أشداء وأقوياء وأغنياء :
(( وَأَنْ يُحِبَّ الْمَرْءَ لَا يُحِبُّهُ إِلَّا لِلَّهِ ِ )) .
فمن علامة المؤمن وهو في دار الامتحان أنه يعطي لله ، ويمنع لله ، ويصل لله ، ويقطع لله ، ويرضى لله ، ويغضب لله ، أما الثالثة : (( وَأَنْ يَكْرَهَ أَنْ يَعُودَ فِي الْكُفْرِ كَمَا يَكْرَهُ أَنْ يُقْذَفَ فِي النَّارِ )) . [ متفق عليه عن أنس بن مالك ]
صار هذا الحديث : (( ثَلَاثٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ وَجَدَ حَلَاوَةَ الْإِيمَانِ : أَنْ يَكُونَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ ، أَحَبَّ إِلَيْهِ مِمَّا سِوَاهُمَا وَأَنْ يُحِبَّ الْمَرْءَ لَا يُحِبُّهُ إِلَّا لِلَّهِ ، وَأَنْ يَكْرَهَ أَنْ يَعُودَ فِي الْكُفْرِ كَمَا يَكْرَهُ أَنْ يُقْذَفَ فِي النَّارِ )) . [ متفق عليه عن أنس بن مالك ]
الدنيا دار ابتلاء لا دار جزاء : أيها الأخوة ، لازلنا في الفائدة التي تتحدث عن الابتلاء : ﴿ إِنَّا جَعَلْنَا مَا عَلَى الْأَرْضِ زِينَةً لَهَا لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا (7) ﴾ ( سورة الكهف )
هناك أشياء مزخرفة جميلة جداً ، وقد قال الله عز وجل : ﴿ حَتَّى إِذَا أَخَذَتْ الأَرْضُ زُخْرُفَهَا وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُهَا أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَا أَتَاهَا أَمْرُنَا لَيْلا أَوْ نَهَارًا فَجَعَلْنَاهَا حَصِيدًا كَأَنْ لَمْ تَغْنَ بِالأَمْسِ ﴾ ( سورة يونس )
آية ثانية : ﴿ وَبَلَوْنَاهُمْ بِالْحَسَنَاتِ وَالسَّيِّئَاتِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ(168) ﴾ ( سورة الأعراف )
تأتيك حسنة أنت ممتحن بها ، لا سمح الله تأتيك سيئة أنت ممتحن بها ، الآن الهدى ابتلاء :
﴿ فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى (123) وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى (124) ﴾ ( سورة طه ) أيها الأخوة ، هذا الموضوع موضوع الابتلاء من أدق الموضوعات ، وأنت حينما تنطلق في تعاملك مع الله أنك في دار ابتلاء ولست في دار جزاء ، دار الجزاء في الآخرة ، نحن في دار ابتلاء ، نحن في العام الدراسي ، العام الدراسي طبيعته الدارسة ، والجهد ، والمتابعة ، والحفظ ، وأداء الواجبات ، بعد الامتحان يكون التكريم .
منقول للفائدة
| |
|