- حديث أَبي بَكْرَةَ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: (أَلا أُنَبِّئُكُمْ بِأَكْبَرِ الْكَبائِرِ ثَلاثًا، قَالُوا: بَلى يا رَسُولَ اللهِ، قَالَ: الإِشْراكُ بِاللهِ وَعُقوقُ الْوالِدَيْنِ وَجَلَسَ، وَكانَ مُتَّكِئًا، فَقالَ أَلا وَقَوْلُ الزّورِ قَالَ فَما زَالَ يُكَرِّرُها حَتّى قُلْنا لَيْتَهُ سَكَتَ).
2- حديث أَنَسٍ رضي الله عنه قَالَ سُئِلَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم عَنِ الْكَبائِرِ قَالَ: (الإِشْراكُ بِاللهِ، وَعُقوقُ الْوالِدَيْنِ، وَقَتْلُ النَّفْسِ، وَشَهادَةُ الزّورِ).
3- حديث أَبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: اجْتَنِبُوا السَّبْعَ الْمُوبِقاتِ قَالُوا: يا رَسُولَ اللهِ وَما هُنَّ قَالَ: الشِّرْكُ بِاللهِ، وَالسِّحْرُ، وَقَتْلُ النَّفْسِ الَّتي حَرَّمَ اللهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ، وَأَكْلُ الرِّبا، وَأَكْلُ مَالِ الْيَتيمِ، وَالتَّوَلِّي يَوْمَ الزَّحْفِ، وَقَذْفُ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِناتِ الْغافِلاتِ). 4- حديث عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: (إِنَّ مِنْ أَكْبَرِ الْكَبائِرِ أَنْ يَلْعَنَ الرَّجُلُ والِدَيْهِ قِيلَ يا رَسُولَ اللهِ وَكَيْفَ يَلْعَنُ الرَّجُلُ والِدَيْهِ قَالَ: يَسُبُّ الرَّجُلُ أَبا الرَّجُلِ فَيَسُبُّ أَباهُ وَيَسُبُّ أُمَّهُ).
الشرح:
دلت هذه النصوص على أن الذنوب في الدين قسمان: صغائر وكبائر فالكبائر جمع كبيرة والضابط فيها على الصحيح كل ذنب رتب الشارع على فعله حدا أو لعنة أو غضبا أو وعيدا خاصا ونحوه مما يدل على تشديد الشارع فيه وهو يشمل عمل القلب كالكبر وعمل اللسان كالغيبة وعمل الجوارح كالزنا فالكبيرة تحد ولا تعد كما قال ابن عياس رضي الله عنه هي أقرب إلى السبعمائة من السبعين وإنما وضع العلماء مصنفات في بيان أنواعها من باب التقريب. والصغيرة ما سوى ذلك من الذنوب التي خلت من هذه الأوصاف. وقد يختلف الفقهاء في دخول ذنب في حد الكبيرة ولكنه ليس في منزلة المنصوص عليه شرعا. ودلت أيضا على أن من الكبائر نوع أكبر من غيره كالإشراك والعقوق وشهادة الزور وإنما غلظ الشارع فيها لأنها من جنس الظلم ووضع الحق في غير موضعه. فالشرك هضم لحق الرب العظيم والعقوق كان شديدا لأنه كفر بنعمة الوالدين وجحود لمعروفهما الذي لا يستطيع الولد مكافأتهما مهما فعل من البر. وشهادة الزور عظمها النبي صلى الله عليه وسلم في صفة جلوسه لأن الشاهد يتوصل بشهادته الباطلة ويمينه الكاذبة إلى اقتطاع مال مسلم أو إبطال حق للغير فهي خديعة وحيلة في أكل أموال الناس بالباطل فلذلك كانت اليمين الغموس تغمس صاحبها في النار. ومن الأفعال الشنيعة التي توبق صاحبها في النار تعاطي السحر وهو ما يعقده الساحر من آثار المسحور وينفث عليه من الرقى الشيطانية ليصرف المسحور أو يعطفه أو يمرضه أو يهلكه ولا يتمكن من ذلك إلا بعبادة الشياطين والتقرب لهم من دون الله وتعلم السحر وتعليمه وصنعه كفر بالله موجب للردة وحده القتل. ومن العظائم قتل النفس المعصومة من غير سبب يبيح القتل وهذا يدل على خطورة التساهل في هذا الباب. ومنها أكل الربا وهو من عمل الجاهلية ولم يشدد في القرآن بذنب بعد الشرك كالربا فالمرابي محارب لله ورسوله لأنه يأكل أموال الفقراء ويتكبر عليهم بالباطل. ومنها التعرض لأموال اليتامى الضعفاء القصر الذين لا أحد يحميهم ويطالب بحقوقهم وأكلها بالباطل وهو من عمل أهل الخسة والدناءة. ومنها الهروب والفرار من ساحة القتال عند حضور صف قتال الكفار لأن ذلك يوهن قلوب المسلمين ويخذلهم عن القتال ويؤدي إلى غلبة الكفار عليهم ولذلك شدد في حكمه وتوعد عليه وهذا الحكم خاص بمن حضر الصف أما لو ترك قبل بلوغ المعركة أو كان في سرية تكر وتفر أو غير موقعه للقتال أو لقي عددا كثيرا لا يطيق قتالهم فانحاز لجماعة المسلمين فلا يشمله الحكم. ومن الكبائر رمي النساء المؤمنات العفيفات بالزنا من غير بينة وبرهان ووصفهن بالغافلات لأنهن في غفلة عن كلام الناس في مجالسهم وشدد فيه لعظم حرمة أعراض المسلمين وخطورته. ومن أكبر الكبائر أن يتسبب المرء في لعن الآخرين لوالديه بأن يسب والديهم فيسبوا والديه من باب المماثلة والمكافأة وهو نوع من العقوق فينبغي للإنسان أن يتوقى لعن الناس وشتمهم وعيبهم ولو كانوا من أهل الكفر والفسق لأن ذلك يؤدي إلى انتقاص قومه ووالديه وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يسب خصومه ولا يلعنهم ويتعفف عن الدخول في النقائص والعيوب الشخصية. ومن هذا الباب أن يسب المسلم آلهة المشركين فيتسبب في سب المشركين لله عز وجل وقد نهى الله عنه بقوله: (وَلاَ تَسُبُّواْ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِ اللّهِ فَيَسُبُّواْ اللّهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ). قال قتادة: (كان المسلمون يسبون أوثان الكفار فيردون ذلك عليهم فنهاهم الله أن يستسبوا لربهم فإنهم قوم جهلة لا علم لهم بالله). رواه الطبري. فالواجب على المسلم أن يحذر الوقوع في هذه الكبائر التي حذر منها النبي صلى الله عليه وسلم ويبتعد عن الوسائل التي توقع فيها وإذا أغواه الشيطان فليقلع ويتب منها ويحرص أشد الحرص على أن لا يلقى الله وهو مصر على كبيرة.
خالد بن سعود البليهد
عضو الجمعية العلمية السعودية للسنة